استطاعت حقبة التسعينيات أن تكون علامة فارقة في الغناء والسينما والدراما التليفزيونية بعد العصر الكلاسيكي الذهبي الممتد من الأربعينات حتى الستينات.
أما وقد تأكد عدم إنتاج جزء ثان من فيلم محمد هنيدي ورفاقه "اسماعيلية رايح جاي" فهو القرار الصائب للمشاهد وصناع العمل، فالفيلم الذي لاقى نجاحا مذهلا عند عرضه وتحقيقه أعلى الإيرادات غير المسبوقة في تاريخ السينما المصرية ، ونحن لا نجد حرجا في أن نقول أن الفيلم متواضع الإنتاج، بعد تعثره وقتها، ولكننا نكشف عن أن المهاجمين للفيلم من المتحذلقين، لم يعلموا أن "اسماعيلية رايح جاي" إنتاج عام 1997 يؤسس لسينما جديدة اصطلح على تسميتها "سينما الشباب" وما المانع؟
وظلت طوال عقدين من الزمان عنوانا لهجوم بعض كبار النقاد لسلسلة من الأفلام انتهجت نفس الصيغة أو ما شابهها، نقول أن النجوم الشباب في تلك الفترة قبل هذا الفيلم في حقبتي السبعينيات والثمانينيات بعد اختفاء نجومية الفتى الأول إما بالرحيل أو بالإنزواء، جيل السبعينيات والثمانينات وحتى النصف الأول من العقد التاسع عاش مظلوما، لا يجد من يعبر عن واقعه سينمائيا، حتى النجوم الذين احتلوا القمة وزعموا أنهم يناقشون قضايا الشباب كانوا فوق الخمسين من أعمارهم ومعظمهم استدرجتهم قضايا الفساد والعنف والعفاريت المسيطرة على أجواء السينما المصرية في حقبتي السبعينيات والثمانينيات، حتى رموز هذا الجيل أمثال نور الشريف قدم أفلاما مهمة مثل أهل القمة وسواق الأتوبيس ليعبر عن قضايا إجتماعية واقعية ولكنها لا تندرج تحت مسمى قضايا الشباب، عقب انفتاح السوق الاستهلاكي، حتى جاء هؤلاء النجوم هنيدي وفؤاد والسقا ورفاقهم وعبروا من خلال قصة بسيطة وأداء عفوي، للطالب الجاد الخجول (محمد فؤاد) المستقيم لكن شديد الفقر الذي اغلقت كل الطرق أمامه وأمام أسرته، ويحلم أن يصبح مغنيا، وأخيرا يقدم نفسه لعزت أبو عوف أكبر مناصر للشباب بعيدا عن الكاميرا وأمامها ومؤسس فرقة غناية شبابية ناجحة هي "الفور إم"، (يظهر في الفيلم بشخصيته الحقيقية)، فينضم فؤاد مشروع النجم لفريقه الغنائي ويواصل مشوار النجاح.
قصة الحب جسدتها حنان ترك كزميلته في الفصل الدراسي، أما الكوميديا وهي من أشهى توابل الفيلم فيعبر عنها حضور قوي للنجم هنيدي والذي شارك أيضا بغناء كلمات غريبة هي أشبه بالابتسامة الصارخة التي تعبر عن اغتراب الشباب وتعد أغنية كامننا هي الماستر سين الحقيقي بغرابتها وطرافتها ، وحدثت طفرة في سوق الفيديو كاسيت الذى كان ظاهرة ذلك الزمان، حدث هذا في وقت تراجع فيه الانتاج وتورط فيه معظم الفنانين الكبار فى الثمنيانيات في سلق أفلام المقاولات التي يتهمون الشباب بها، وكان ذلك فاتحة خير على السينما والأغنية بل والفيديو (الدراما التليفزيونية)؛ حيث حققت الأسماء الشابة أضعاف نجوميتهم في الدراما التليفزيونية رغم المنافسة الشرسة مع أجيال الرواد.
والخلاصة أنني لست مع أفلام ومسلسلات الأجزاء ـ إلا فيما ندر من الذين يملكون الحرفية والمهارة الفائقة أمثال المؤلف الكبير أسامة أنور عكاشة؛ فنحن لا نملك الإمكانات التقنية الهائلة التي تعتمد عليها هوليوود في مثل هذه الأعمال التي نجحت بأجزائها المتعددة، في حين توافرت لدينا إمكانات جيدة على مستوى المؤلف والفيلم الهوليوودي.. هوم ألون مثالا واضحاً، من الأفضل للصديق النجم محمد هنيدي ورفاقه أن يبحثوا عن أفكار مختلفة ـ وهم قادرون ـ فصناعة التاريخ لا تكون بأعمال مكررة، ولكن ما يصنع التاريخ للممثل والمؤلف هو تعدد الرؤى ومناقشة أحوال الحاضر من جوانبه المختلفة.
سينما التسعينيات كانت تجربة جيدة وحلقة جيدة من حلقات تاريخ السينما المصرية، ولكن تعلمنا أن تاريخ السينما لا يرجع إلى الخلف وإنما يستلهمه ويتكيء عليه.
-----------------------
بقلم: طاهـر البهي